تقرير البحث

بلاد الشام وما بين النهرين مشهورة بتراثها الثقافي الغني، الذي ازدهر عبر الحضارات القديمة في المنطقة. ومع ذلك، أدت النزاعات المسلحة في سوريا والعراق، وانعكاساتها في الأردن ولبنان، إلى تهديد استمرار التقاليد الموسيقية الشعبية العريقة في هذه البلدان، بسبب تهجير المجتمعات الريفية والبدوية والغجرية. كما ساهم التدهور البيئي وتأثيره على سبل العيش في زيادة هذا التهديد. يستجيب مشروع “على خطى الموسيقى” لهذ التحدي عبر توثيق وإحياء الموسيقى الشعبية في أحد عشر مجتمعاً مهمشاً في سوريا والعراق ولبنان والأردن. قامت العمل للأمل بالشراكة مع منظمات محلية ودولية، بتنفيذ هذا المشروع على مدى 25 شهراً. بدأ المشروع ببحث ميداني قام به أحد عشر باحثاً نتج عنه هذا التقرير البحثي الذي يجمع بين البحث المكتبي والمسح الميداني وجمع البيانات، مسلطاً الضوء على الموسيقيين الشعبيين وصُنّاع الآلات الموسيقية في المجتمعات المستهدفة.
في لبنان، اكتشفنا الإرث الموسيقي الشعبي الغني، بدءاً من التراث البدوي والريفي في الهرمل، مروراً بمجتمع الغجر / الرُحَّل في عكار، ووصولاً إلى مخيمات اللاجئين السوريين في بر إلياس. أما في سوريا، فقد تجلت لنا درجة مذهلة من التوع الموسيقي، تضمنت موسيقى مجتمع البدو في حماة، والموسيقى المرتبطة بالترحال للبدو الأكراد “الكوجار”، والتقاليد الموسيقية لأهل الفرات في الرقة. وفي العراق، ظهر التنوع العرقي والثقافي الفريد عبر التوثيق في قرية النمرود شمال العراق وما يحمله من تقاليد ريفية، ثم الغوص في التراث الأيزيدي المتفرد، لنصل في النهاية إلى أبو الخصيب جنوب العراق، موثّقين موسيقى الخشّابة المميزة. في الأردن، وثق المشروع موسيقى المجتمعات الريفية وكذلك مجتمعات الغجر / الرُحَّل، مسلطين الضوء على آلاتهم الموسيقية وأنماطهم الغنائية في كل من قرية الطيبة ومخيم جابر الحدودي.
تم توثيق واكتشاف عشرات الفنانين وصُنّاع الآلات والأنماط الموسيقية والآلات الشعبية واللهجات والألحان في هذه المجتمعات الإحدى عشرة. ورغم تفرّد كل مجتمع بخصائصه، إلا أن هناك نقاط تقاطع عديدة، مثل تشابه الآلات الموسيقية، وإن اختلفت أسماؤها، وكذلك تشابه الأنماط الموسيقية، وأحياناً الألحان والكلمات. إن التراث الموسيقي التقليدي في الأردن وسوريا والعراق ولبنان، متجذر بعمق في النسيج الثقافي للمنطقة، ليعكس لوحةً فسيفسائية من التقاليد الثقافية والمراحل التاريخية المتنوعة. ومع التطلع نحو المستقبل، يصبح من الضروري إدراك أهمية حماية هذا الإرث الموسيقي ونقله إلى الأجيال القادمة. فالحفاظ عليه لا يساهم فقط في ترسيخ الهوية الثقافية وتعزيز الفخر والتضامن، بل يشكّل أيضاً مصدر إلهام وشفاء وأمل في الأوقات الصعبة.